إن افتراض البراءة للشخص سواء كان مشتبها فيه أو فى موضع اتهام هو حقاً أساسياَ يقتضي أن براءة الشخص مفترضة وأصل ثابت فيه، وهو إحدى الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة العادلة.

وعليه فأن كل شخص متهم بجريمة مهما كانت جسامتها، ودرجة خطورتها، ومهما كانت قوة الشكوك التي تلابسها، والأدلة التي تقام ضده، يجب أن يعامل عبر مختلف مراحل الدعوى وفى كل ما يتخذ فيها من إجراءات بوصفه بريئا، حتى تثبت إدانته من خلال حكم قضائي بات.

وحيث بات الاصل فى الانسان البراءة مبدأً دستورياً وشرطاً لازماً للحرية المنظمة يكٌرس قيمَها الأساسية، فهو قرينة لا يدحضها سوى حكمٍ باتٍ صادرٍ بالإدانة حائز قوة الشيء المقضي به ومـن ثـم لـيس لعـدد أو نوع الأدلة من اثـر يـُذكر حتـى نهايـة المحاكمـة، سـواء كانـت تلـك الأدلة من خلال الجريمة المشهودة أو باعتراف المتهم ذاته.

ولا يشكل وجوب مثل هذا المبدأ فى الاثبات الجنائى حماية المذنبين، وإنما درءاً لعقوبة عن تهمة أحاطتها الشبهات دون التيقن من اقتراف المتهم للواقعة المؤثمة؛ ذلك أن الاتهام الجنائي في ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دومًا ولا يزايله دون أدلة تبلغ فى قوتها مبلغ الجزم واليقين ؛ شرطية استقرارها بحكم قضائى مستنفد الطعن.   

بل ويفترض كأصل عام، لوجود بنيان قانوني للجريمة وقيام المسؤولية الجنائية على المتهم، توافر القصد الجنائي ركنًا معنويًا في الجريمة مُكملاً لركنها المادي الملموس؛إذ لا يسأل الشخص عن جريمة ما لم تثبت الرابطة السببية بين الركنين المادي والمعنوي، ويقع عبء الإثبات القانوني على من يدعى خلاف ذلك.

ونشير هنا إلى أحد القضايا التي باشرها مكتبنا حيث كانت النيابة العامة قد أسندت إلى مسؤول إحدى الشركات أنه تهرب من أداء الضريبة بأنه قدم فواتير صورية  لإيهام  مصلحة الضرائب بقلة ارباحه.

وفي جلسة المحاكمة أكد ماهر ميلاد اسكندر محامي المتهم أن الفواتير  محل الدعوى صحيحة ومستوفاه الشروط القانونية وصادرة من شركات لها سجل تجاري وبطاقة ضريبية ومسجلة في ضريبة المبيعات، وخلت الأوراق من نشرة صادرة من مصلحة الضرائب عن كون هذه الشركات وهمية ومن ثم فإن اتهام النيابة للمتهم بشراء فواتير صورية  من شركات  وهمية بقصد التهرب من الضرائب  هو اتهام لم تقدم النيابة الدليل عليه ويضحي اتهام النيابة مبني على افتراض يتعارض مع مبدأ  اصل البراءة.

بعد ذلك قضت المحكمة ببراءة المتهم مما اسند اليه ورفضت محكمة النقض طعن النيابة علي الحكم.

الهدف من هذا المقال؛ أن افتراض الأصل فى الإنسان البراءة هو حق دستوري وحصن يحتمي به الشخص ضد كل إجراء تعسفي أو مساس بحريته وسلامته الشخصية،وهو حجر الأساس في بناء نظرية الاثبات في المواد الجنائية لدوره فى تحميل من يدعى عبء الإثبات.

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.